أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

السبت 03 ذو القعدة 1432 هـ الموافق لـ: 01 أكتوبر 2011 06:26

- السّيرة النّبويّة (57) موقف المخالفين من هجرة النبيّ الأمين

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد رأينا في الحلقة السّابقة كيف وضع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أسس المجتمع الإسلاميّ: بناء بيت الله الّذي يُؤويهم، ومؤاخاة تجمع قلوبهم، ودستورا يضبط أمورهم.

فما عاش المؤمنون من المهاجرين والأنصار أيّاما أسعد من تلك الأيّام ! وكما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( كُلُّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ )) [حديث حسن، وانظر "" السلسلة الصحيحة " (3/436)].

فإنّ من بقي على شركه، واليهودَ المقيمين حوالَي المدينة قد أغَاظَهم هذا الجوُّ الممتلئ إيمانا وإحسانا .. وآذتْهم طرقات المدينة الّتي مُلِئت أعوانا للخير وإخوانا ..

لذلك كان من محاسن نزول القرآن أنّ أوّل سورة نزلت بالمدينة كانت سورة البقرة؛ ذلك لأنّها تحمل في طيّاتها شُهُباً تكشف ما انطوت عليه نفوس اليهود، ففضحت طرقَهم وأساليبَهم، وبيّنت حبائلهم وألاعيبهم.

فتحدّثت السّورة عن كفرهم بالله عزّ وجلّ، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وصدّهم عن سبيل الله، وتمرّدهم في كلّ مرّة على كليم الله، وتحريفهم لكتاب الله، وخاصّة نراها تندندن حول خصلة لا تفارقهم وهي نقض الميثاق{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:100].

فكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم على أهبة لانقلاب اليهود عليهم في عشيّة أو ضحاها..

وفاجأت سورةُ البقرةِ الجميعَ إذ كشفت لهم عن قوم مُذَبْذَبين بين المؤمنين واليهود والكافرين .. قوم لم يظهر لهم وجود بعد .. ولكنّهم لن يتأخّروا فيظهرون .. قوم أطالت مقدّمة السّورة في بيان حالهم:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)} .. وكان على رأس هؤلاء رجلٌ يُدعى عبدَ الله بنَ أبيّ ابنَ سلول .. فمن هذا الرّجل ؟ وما قصّته ؟

وكي نعرِف هذا الرّجل فإنّه لا بدّ من الحديث عن:

الأوس والخزرج:

كان أهمّ ما أثلج الله به صدورَ المسلمين، وأقرّ به عيونَ المؤمنين: أن وحّد بين الأعداء الّذين طالت بينهم الحروب السّاخنة، ونشبت بينهم الحروب الطّاحنة.

إنّهم الأوس والخزرج: الّذين كانت بينهم حروبٌ مريرة أوشكت أن تُفنيَهم.. وكانت يتخلّل تلك الحروب مراحل من الهدنة والفتور.. تختبئ نارها تحت رماد التعقّل أحيانا، والملل أحيانا أخرى .. وكانت آخر وقعة بينهم يوم بُعاث .. حيث قُتِلَ سادةٌ وأشرافٌ من كلا القبيلتين.

في تلك السّنوات - وبالضّبط خمس سنوات قبل الهجرة - هدأت فيها الحرب بين الأوس والخزرج ..

سنوات قليلة قبل الهجرة قرّر الأوس والخزرج أن يكونَ زعيمُ يثرب وسيّدُها هو عبدَ الله بنَ أبيّ ابن سلول ..

ولكن ما من شيء من ذلك قد حدث .. لقد كانت الأنظار كلّها متوجّهة إلى مكّة حيث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.. وحدثت البيعة ثمّ الهجرة .. وصارت القلوب كلّها متعلّقة بالقائد الجديد الّذي لن يقودهم إلى أمن الدّنيا فحسب، ولكن إلى أمن الدّنيا والآخرة..

ولا شكّ أنّ قلب هذا الرّجل لن يحتمل وهو يرى تاجَه تدوسه الأقدام ! وتتبخّر معه جميع الأحلام ! وكأنّي به يتمنّى لو لم يَطُل به العُمُر ليرى كلّ ذلك.

ولكنّه قاصر عن إدراك الحقّ .. فقد كان بإمكانه أن يُصبح زعيما مخلّدا لو مدّ يده إلى يد النبي صلّى الله عليه وسلّم بصدق، ولكنّه أبى واستكبر وكان من الكافرين !

وسنرى أنّه لا بدّ أن يُظهر الإسلامَ إلى حينٍ ليعصِمَ دمَه ومالَه، وأنّه كان أوّل بذرة من بذور النّفاق.

ولم تتبخّر في الحقيقة أحلام هذا الرّجل فحسب، وإنّما تبخّرت أيضا أحلام غيره، فإنّ هناك من يشاركه هذا الشّعور، ويدعو على نفسه بالويل والثّبور، وهم:

اليهود: الّذين قال فيهم الله تعالى:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: من الآية 89].

وهذا ما جعل الوثنيّين من أهل المدينة يُقبِلون على الإيمان، لسماعهم أخباره عن أهل الأديان .. وكان من بين هؤلاء الّذين كانوا ينتظرون قدوم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم:

أسد، وأسيد، وثعلبة:

ثلاثة من الشّباب ليسوا من اليهود، ولكنّهم عاشوا معهم ليفوزوا بنبيّ آخر الزّمان ..

روى ابن إسحاق والبيهقيّ في "الدّلائل" أنّ ثعلبة بنَ سَعْنَة، وأُسَيْدَ بنَ سعْنَة، وثعلبة بن عُبَيْد، نفرٌ من بني ذُهْلٍ أَتَوْا بني قريظة، قالوا:

إنّ رجلا من يهود أهل الشّام يقال له: ابن الهيبان، قدم علينا قبل الإسلام بسنتين فحلّ بين أظهرنا، والله ما رأينا رجلا قط أفضل منه، فأقام عندنا.

فكنّا إذا قحط المطر قلنا له: يا ابن الهيبان ! قُم فاستق لنا. فيقول: لا والله ! حتّى تقدّموا بين يدي مخرجكم صدقة.

فيقولون: كم ؟ فيقول: صاعا من تمر، أو مدّين من شعير عن كلّ إنسان، فنخرجها.

فيخرج بنا إلى ظاهر حرّتنا، فيستسقي لنا، فوالله ما يبرح من مجلسه حتّى يمرّ السّحاب السّراح سائلة، ونسقي به، ففعل ذلك غير مرّة ولا مرّتين ولا ثلاثا.

ثمّ حضرته الوفاة، فلمّا عرف أنّه ميّت قال: يا معشر يهود ! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض الجوع والبؤس ؟

قلنا: الله أعلم. قال: فإنّي قدمت إلى هذا البلد لتوكّف خروج نبيّ قد أظلّ زمانه، هذه البلد مهاجره، فكنت أرجو أن يُبعث فيكم فأتّبعه، وقد أظلّكم زمانه، فلا يسبقنّكم إليه يا معاشر اليهود أحد ".

- ومن بين اليهود الّذين أدركوا صدق دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أخبار اليهود طفلة بريئة لم تلوّثها أحقاد اليهود.. ظلّت على النّقاء والصّفاء، فكانت اسما على مسمّى .. إنّها:

صفيّة بنت حُييّ بن أخطب رضي الله عنها..

والدها وعمّها زعيمان من زعماء يهود بني قريظة .. وكانت أحبّ إليهما من كلّ أحد .. يهشّون للقائها، ويبشّون لرؤيتها .. إلاّ في يوم تتذكّره صفيّة جيّدا .. لم يفعلا ذلك، فعلِق بذهنها عبوسُهما على غير عادتهما !

روى ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقيّ أنّها قالت:

" لم يكن من ولد أبي وعمّي أحدٌ أحبَّ إليهما منّي، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلاّ أخذاني دونه.

فلمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قباء، ونزل بقرية بني عمرو بن عوف، غدا إليه أبي وعمّي أبو ياسر بن أخطب مغلِّسين، فوالله ما جاءانا إلاّ مع مغيب الشّمس !

جاءانا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى ! فهشَشْتُ إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما نظر إليّ واحد منهما !

فسمعت عمّي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو ؟ قال: نعم والله ! قال: تعرفه بعينه وصفته ؟ فقال: نعم والله. قال: فماذا في نفسك منه ؟ قال: عداوته والله ما بقيت ! ".

وصدق الله تعالى القائل:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)} [البقرة].

ومن اليهود الّذين أسلموا:

سلمة بن سلام بن وقش: الّذي قال - كما عند ابن إسحاق والبيهقيّ -:" والله ما ذهب اللّيل والنّهار حتّى بعث الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم وهو حيّ بين أظهرنا، فآمنّا به وكفر به من كفر بغيا وحسدا ".

فاليهود كانوا ينتظرون النبيّ منهم ليسحقوا به العرب وسائر الأمم .. فكيف يؤمنون بنبيّ يجعل العرب سادة الدّنيا وقادة العالم ؟!

فقالوا: لا لنبيٍّ من ولد إسماعيل .. إلاّ أنّ هناك من لم يقل ذلك، ولم يقع معهم في المهالك، إنّه:

عبد الله بن سلام رضي الله عنه.

عالمٌ من علماء اليهود، وحَبْرٌ من أحبارهم، يحدّثنا عن أوّل يوم رأى فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .. روى التّرمذي وغيره عن عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ رضي الله عنه قال:

لَمَّا قَدِمَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ! قَدِمَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ! قَدِمَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم!

فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: (( أَيُّهَا النَّاسُ ! أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ )).

كلماتٌ هزّت قلبه، وشرحت صدره .. كلماتٌ قليلة تذوب فيها كلّ دعاوى العدل والسّلام والإصلاح ..

أيّ مجتمعٍ هذا الّذي سيُولد بين قوم تفشو بين أهله السّلام، وتصل يدُه إلى الأرامل والأيتام، ويشقّ الطّرقات بين الأقارب والأرحام ..

وعندما يهدأ النّهار، ويأوي إلى خبائه، وتسكن الطّيور في الأوكار، تُحلّق أرواح المؤمنين إلى ربّها رغباً ورهباً ..

أدرك أنّ هذا ليس من وضع البشر، فما كان منه إلاّ أن أقبل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعرض إسلامه لله عزّ وجلّ.

روى البخاري عن أنسٍ رضي الله عنه قال: سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَأَتَاه فَقَالَ:

إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ ؟

قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ )).

قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي.

فَجَاءَتْ الْيَهُودُ، فقالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ ؟)).

قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا.

قَالَ: (( أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ؟)).

فَقَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ !

فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه فَقال: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.

فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا ! وَانْتَقَصُوهُ.

قَالَ: فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ. 

أخر تعديل في السبت 03 ذو القعدة 1432 هـ الموافق لـ: 01 أكتوبر 2011 06:31

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.